Human rights watch
ملخص
“كتدفع عليك الاتهامات الباطلة وحدة بعد الأخرى، كتتصدى لمقالات التشهير واحد بعد الآخر، كتنكر المزاعم الواهية، كتحارب التهم بلا أساس… كتهضر وتعاود تهضر وتزيد تهضر… ولكن فالآخر، فيك فيك”.
[تصد عن نفسك الاتهامات السخيفة واحدا واحدا والمقالات البغيضة واحدة واحدة، تقاوم التّهم الباطلة وتفنّد مزاعم لا أساس لها… تتكلم وتتكلم ثم تتكلم من جديد… لكن في النهاية، سينالون منك مهما كان”.]
بدا الصحفي المستقل عمر الراضي (33 عاما) متعبا بعض الشيء خلال لقائه بـ”هيومن رايتس ووتش” في شرفة مقهى في الرباط في 15 يوليو/تموز 2020.
كان الراضي قد خرج لتوه من مؤتمر صحفي سعى خلاله، بمساعدة محاميه، إلى كشف زيف العديد من التهم الموجهة إليه من قبل أحد وكلاء الملك والشرطة القضائية ووسائل الإعلام الموالية للدولة في الأشهر القليلة الماضية: “تقديم خدمات استخبارية لحكومات وشركات ومنظمات أجنبية”، ”المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي”، ”السكر العلني…” واللائحة تطول.
لعل ما يفسر إرهاق الراضي أيضا جلسات الاستنطاق الماراثونية الخمس التي أخضعته لها الشرطة في الأسبوعين الماضيين، والتي استمرت كل واحدة منها حوالي تسع ساعات. اعتذر الراضي قائلا: “عليّ أن أذهب. يجب أن أعود إلى مقر الشرطة الآن لجلسة استنطاق أخرى”. بالفعل، سيخضع لست جلسات أخرى خلال الأسبوعين التاليين.
اعتقلت الشرطة الراضي في آخر المطاف في 29 يوليو/تموز 2020. قضى العام التالي في الحبس الاحتياطي، قبل أن تدينه محكمة في 19 يوليو/تموز 2021، ليس فقط بتهم التجسس الأصلية، لكن أيضا بتهمتي هتك العرض والاغتصاب، وحكمت عليه بالسجن ست سنوات. أيدت محكمة الاستئناف الحكم في 3 مارس/آذار 2022. لا يزال الراضي في السجن حتى كتابة هذا التقرير.
الراضي صحفي استقصائي برز في أوائل العقد الثاني من الألفية بعد أن كشف عن فساد الدولة المنتشر في قطاعي الموارد الطبيعية والعقارات. دافع الراضي عن المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الريف الشمالية. أدلى أيضا بتعليقات نارية في برنامج حواري شهير في 2018، ومما قال: “يجب حل وزارة الداخلية […] فهي احتضنت أكبر عملية فساد على مستوى الدولة”.
قبل احتجاز الراضي وإدانته في 2021، احتُجِز وحوكم وأدين بتهمة نشر تغريدة، واختُرق هاتفه الذكي ببرنامج تجسس، وتعرض لحملة تشهير واسعة النطاق من قبل وسائل إعلام موالية للدولة، وتعرض لاعتداء جسدي مريب يبدو أن الشرطة لم تحرك ساكنا للتحقيق فيه رغم وعودها.
من محاكمات على التعبير إلى ملاحقات جنائية
على مدار العقدين الماضيين، وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى كيف أدانت المحاكم المغربية عشرات الصحفيين والنشطاء وأغلقت وسائل الإعلام التي تنتقد السلطات أو فرضت عليها غرامات كبيرة أو عقوبات أخرى بتهمة التشهير أو نشر “أخبار زائفة” أو “الإهانة” أو “تشويه السمعة” في حق مسؤولين محليين أو مؤسسات الدولة أو رؤساء دول أجنبية، و”المس” بأمن الدولة أو بالنظام الملكي.
لا تزال المحاكمات بتهم تتعلق بالتعبير، والتي تنتهك بوضوح الحق في حرية التعبير، تُستخدم بشكل شائع لمعاقبة الصحفيين الناقدين والمعلقين على الإنترنت والمحتجين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمغرب ليس استثناء. في 2021 و2022، حُكم على معلّقين على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل شفيق العمراني، ومصطفى السملالي، وجميلة سعدان، وإكرام نزيه، وسعيدة العلمي، وربيع الأبلق وعلى المتظاهر نور الدين العواج بالسجن النافد لانتقادهم السلمي شخصيات عامة.
إلى جانب هذه الملاحقات القضائية على جرائم التعبير، ومنذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، اتهمت السلطات المغربية ولاحقت بشكل متزايد الصحفيين والنشطاء البارزين بارتكاب جرائم لا علاقة لها بالتعبير، بما في ذلك جرائم تتضمن علاقات جنسية بالتراضي. في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية، بدأت السلطات في محاكمة منتقديها على جرائم خطيرة مثل غسل الأموال، أو التجسس، أو الاغتصاب، أو الاعتداء الجنسي، وحتى الاتجار بالبشر.
يقول المعطي منجب، المؤرخ والمدافع عن حرية التعبير، الذي سُجن ثلاثة أشهر في 2021 بتهمة غسل الأموال: “المحاكمات السياسية في الماضي أعطت مكانة للمعارضين [المغاربة] وجعلتهم أبطالا، وحشدت الرأي العام حولهم. أما اعتبارهم خونة ولصوصا ومغتصبين، فهذه طريقة أفضل لإسكاتهم”.
“اغتيال رمزي”
ينبغي التحقيق دون تمييز في الجرائم الخطيرة مثل الاعتداء الجنسي أو الجرائم المالية، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة ومعاقبتهم بعد محاكمات تراعي الإجراءات الواجبة وتكون عادلة بالنسبة لصاحب(ة) الشكوى وللمتهم(ة) حلى حد سواء.
بعد فحص 12 ملفا قضائيا من هذا النوع تخصّ معارضين في المغرب، وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات ارتكبت مجموعة من انتهاكات الحق في المحاكمة العادلة وغيرها من الانتهاكات. في إطار ملاحقتها المتواصلة للمعارضين بتهم خطيرة، انتهكت السلطات حقوق معارفهم وشركائهم وعائلاتهم، وحتى من تزعم السلطات أنهم ضحاياهم.
مثلا، عفاف برناني، وهي موظفة جريدة أصبحت ناشطة، فرت من المغرب بعد إدانتها في 2018 بتهمة “ادعاءات كاذبة” لأنها اتهمت الشرطة بتزوير تصريح لها بدت أنها تتهم فيه رئيسها السابق، الناشر الصحفي المعارض توفيق بوعشرين، بالاعتداء عليها جنسيا. نفت برناني أن تكون قد وجهت يوما هذا الاتهام ضد بوعشرين، وقالت لأحد الصحفيين: “أدركت السلطات المغربية أن اتهام شخص ما بجريمة جنسية هو ’ اغتيال رمزي‘ فعال. فهو يحرم الأشخاص المستهدفين من التضامن الدولي ويتركهم منبوذين، حيث يتجنبهم الأصدقاء والأقارب حرجا أو خوفا أن يوضعوا معهم في نفس الكفة”.
الدعاوى القانونية التي واجهها بوعشرين الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 15 عاما منذ 2019، وعمر الراضي، والمعطي منجب، وسليمان الريسوني، وغيرهم من المنتقدين الصريحين للنظام الملكي كما هو حاليا، لا يجوز الاستخفاف بها على أساس أنها بالضرورة هجمات على حرية التعبير من قبل حكومة قمعية. بغض النظر عن مِهن المتهمين وأوضاعهم الاجتماعية، ينبغي دائما أخذ هذه التهم على محمل الجد. يسعى التقرير إلى فحص الطريقة التي حققت فيها السلطات في هذه القضايا، وأساس الأدلة التي تدعم التهم، والعمليات القضائية التي تم من خلالها محاكمة المتهمين.
من خلال فحص ثماني حالات مختلفة أدت إلى 12 مقاضاة وتتعلق بحوالي 20 ناشطا أو صحفيا بصفات مختلفة، وكذلك الهجمات التي تشنها عليهم مجموعة من وسائل الإعلام التي يبدو أنها تسير على خطى النظام الأمني المغربي، استنتجت هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير أن السلطات المغربية طوّرت وصقلت مجموعة من التكتيكات لإسكات المعارضة، بينما تدعي أنها لا تعدو كونها تطبق قوانينها الجنائية بشكل محايد. بذلك، انتهكت السلطات قائمة طويلة من الحقوق، بما فيها الحق في الخصوصية، والصحة، والسلامة الجسدية، والمِلكية، والحق في المحاكمة العادلة، إضافة إلى استخفافها بجرائم خطيرة مثل الاغتصاب أو الاختلاس أو التجسس.
الشيطان يكمن في التفاصيل
في اثنتين من القضايا التي يفحصها هذا التقرير، أدانت المحاكم نشطاء بتهم تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان. في واحدة من هذه القضايا، أدانت محكمة الصحفية هاجر الريسوني بممارسة الجنس خارج نطاق الزواج مع خطيبها وبالإجهاض غير القانوني، وأدين الصحفي هشام المنصوري في الثانية بالفساد (الزنا) مع امرأة متزوجة أدينت أيضا. تهم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والإجهاض في حد ذاتها تنتهك حقوقا مثل الحق في الخصوصية والصحة وعدم التمييز. على المغرب إلغاء هذه الجرائم من قانونه الجنائي وإسقاط جميع الملاحقات القضائية المماثلة بموجب هذه التهم فورا.
في بقية القضايا التي رُفعت أمام المحاكم، والتي تلت جميعها قضيتي المنصوري والريسوني، اتهمت السلطات صحفيين ونشطاء بارتكاب جرائم جنسية أو مالية مُجرّمة عالميا، وهي جرائم لا ينبغي أن يتمتع أي شخص بالحصانة من التحقيق فيها أو الملاحقة القضائية عليها. مع ذلك، ينبغي أن يكون أي إجراء للشرطة أو القضاء في مثل هذه الحالات غير تمييزي وعادلا ومتوافقا مع المعايير الدولية.
عندما تُمعن في الأساليب التي تقمع بها السلطات المغربية المعارضين لإسكاتهم، تجد أن الشيطان يكمن في التفاصيل. ولفهم كيف أن الملاحقات القضائية بتهم جنائية غالبا ما تكون هجمات سياسية مقنعة على النشطاء، ينبغي النظر في لائحة العيوب التي تشوب تعامل الدولة مع هذه القضايا، في مرحلتي ما قبل المحاكمة والمحاكمة على حد سواء.
حتى في حال وجود مزاعم بارتكاب جرائم خطيرة، يعطي تعامل السلطات مع القضية انطباعا بأنها لا تأخذ تلك الجرائم مأخذ الجد. يعتبر العنف الجنسي مسألة خطيرة في المغرب، ومن المهم أن تكافح السلطات العنف الجنسي بشكل صحيح ومتسق، مع مراعاة حقوق كل من المشتكي(ة) والمتهم(ة).
من بين الأدوات التي تستخدمها الدول لقمع أجرأ منتقديها وتخويف الآخرين، هناك المراقبة الميدانية والإلكترونية، والسجن التعسفي، والمحاكمات المعيبة والأحكام الجائرة، وحملات الاغتيال المعنوي في وسائل الإعلام الموالية للدولة ضد النقاد وأقاربهم وشركائهم، وحتى، على ما يبدو، استخدام العنف الجسدي والترهيب أحيانا.
هذا دليل أدوات قمع المعارضة في المغرب. وفيما يلي بعض أهم مكوناته.
إجراءات محاكمة غير عادلة
غالبا ما تشوب قضايا المعارضين في المغرب التي تُحال إلى القضاء انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة وغيرها من الحقوق.
من بين تلك الانتهاكات الحبس الاحتياطي المطوّل دون مبرر حقيقي. تُلزم المعايير الدولية القاضي الذي يصدر أمرا بالحبس الاحتياطي بأن يبرر قراره كتابيا، مع تحديد الأسباب الخاصة لاتخاذ هذا الإجراء والذي يجب أن يُفرَض كاستثناء لا قاعدة، وأن يخضع الأمر لمراجعة قضائية بناءة فورية ثم دورية من قبل قاض أو محكمة مستقلة عن القاضي الذي أصدر الأمر. مع ذلك، لم يُقدَّم مثل هذا التبرير على الإطلاق في قضيتي الصحفيَّين عمر الراضي وسليمان الريسوني، اللذين قضى كلاهما عاما في الحبس الاحتياطي، وهو الحد الأقصى بموجب القانون المغربي.
منع القضاة أيضا معارضين مسجونين من الاطلاع على ملفات قضاياهم لإعداد دفاعهم إعدادا مناسبا. لم يطلع الراضي أو الريسوني على ملفّيهما إلا بعد بدء محاكمتهما. وُضع الناشط المعطي منجب رهن الحبس الاحتياطي ثلاثة أشهر أثناء التحقيق معه بتهمة الاختلاس، لكن لم يُسمح له مطلقا بالاطلاع على ملف قضيته. لا تزال القضية، التي فُتحت في سبتمبر/أيلول 2020، معلقة ولم يُسمح لمنجب بالاطلاع على ملفه حتى يوليو/تموز 2022.
رفضت المحاكم أيضا في كثير من الأحيان استدعاء الشهود الذين طلبهم الدفاع، دون تقديم مبررات معقولة لهذا الرفض. رفضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الاستماع إلى شاهد رئيسي في قضية التجسس ضد الراضي لأنه كان من شأن القيام بذلك “إطالة زمن المحاكمة [بلا جدوى]”، بحسب نص الحكم.
أجبرت المحاكم أيضا أشخاصا على الإدلاء بشهادات لصالح النيابة، حتى عندما قاوموا ذلك. في محاكمة الصحفي توفيق بوعشرين بتهمة الاغتصاب، مارست الشرطة ضغوطا شديدة على الصحفيات حنان بكور وعفاف برناني وأمل الهواري للإدلاء بشهادتهن ضد بوعشرين، رغم أنهن لم يتهمن بوعشرين بأي شيء وأبلغن القضاة والصحافة برفضهن أي علاقة بمحاكمته بأي صفة من الصفات. اعتُقِلت النساء الثلاث وجُلبن إلى المحكمة بالقوة. أدينت الهواري وبرناني فيما بعد بتهمتي رفض التعاون مع المحكمة و”التشهير بالشرطة” على التوالي. فرت برناني من المغرب هربا من السجن وما تزال في الخارج.
كما حوكِم أشخاص معتقلون وأدينوا غيابيا. في أغسطس/آب 2021، حكمت محكمة ابتدائية على الراضي بتهمة “السكر العلني” دون الاستماع إلى أقواله، لأنه لم يتم إخطار الراضي ولا محاميه بانعقاد جلسات المحاكمة، ولم تصطحبه الشرطة إلى قاعة المحكمة من السجن الذي كان محتجزا فيه حينئذ. في يناير/كانون الثاني 2020، حُكم على المعطي منجب غيابيا بالسجن لمدة عام بتهمة المس بأمن الدولة، رغم أنه كان وقتها رهن الحبس الاحتياطي على ذمة قضية أخرى. لم يُخطَر منجب ولا محاميه بجلسة المحاكمة، ولم تُحضره الشرطة إلى قاعة المحكمة.
في إحدى القضايا، مُنع المتهم من الاتصال بأحد محاميه. في يونيو/حزيران 2021، احتجزت الشرطة محاميا بلجيكيا وكّلته عائلة الراضي عند وصوله إلى مطار الدار البيضاء، ومنعته من الوصول إلى قاعة المحكمة. رُحِّل إلى بلجيكا في اليوم التالي.
المراقبة الرقمية ومن خلال الكاميرات
حدثت انتهاكات الإجراءات القانونية المذكورة أعلاه في سياق مضايقات الشرطة وانتهاكات متعددة الأوجه لحقوق المعارضين.
استُهدفت الهواتف الذكية لخمسة صحفيين مستقلين ونشطاء على الأقل، من بينهم منجب والراضي وبوعشرين والريسوني وأبو بكر الجامعي، وكذلك العديد من المدافعين الحقوقيين، بمن فيهم فؤاد عبد المومني، والمحامين بمن فيهم عبد الصادق البوشتاوي، وربما آلاف الأشخاص الآخرين، ببرنامج التجسس بيغاسوس بين 2019 و2021، وفقا لتحقيق أجرته “منظمة العفو الدولية” وآخر من قبل تحالف “فوربيدين ستوريز” الصحفي.
بيغاسوس هو برنامج قوي طورته شركة “مجموعة إن إس أو” الإسرائيلية، وتقول إنها تبيعه فقط للحكومات، وهو قادر على الوصول إلى قوائم الاتصال، وقراءة رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية، والتنصت على المكالمات، وجمع كلمات المرور، وتحديد موقع الجهاز المستهدف، واختراق الميكروفون والكاميرا لتحويل الجهاز إلى أداة مراقبة. نفت السلطات المغربية استخدام بيغاسوس للتجسس على المعارضين.
تعرض فؤاد عبد المومني، واحد من الذين استُهدفت هواتفهم ببيغاسوس، أيضا للمراقبة بالفيديو. في 2020، أرسل مجهول على واتساب ستة مقاطع فيديو قصيرة تظهره ورفيقته (تزوجا في العام التالي) في وضعية حميمية في مكان خاص إلى العديد من أقاربهما. يعتبر الجنس خارج نطاق الزواج في المغرب جريمة يعاقب عليها بالسجن، ويبقى وصمة عار في المجتمع خاصة بالنسبة للنساء. بحسب عبد المومني، واستنادا إلى زاوية التصوير، كانت الكاميرات التي صوّرت المقاطع الحميمية مزروعة داخل وحدتي تكييف في غرفة النوم وغرفة المعيشة في شقته.
ظهرت خلال محاكمة توفيق بوعشرين في قضايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي عدة مقاطع فيديو يُزعم أنها تُظهر الناشر الصحفي ، أو رجلا يشبهه، في أوضاع جنسية متفاوتة الوضوح مع عدة نساء في مكتبه بالدار البيضاء. قالت الشرطة إنها عثرت على كاميرتَي فيديو في مكتب بوعشرين وادعت أنه سجل مقاطع الفيديو بنفسه. نفى بوعشرين أن تكون الكاميرات له أو أنه قام بتركيبها. قال إن جهات مجهولة ثبتت الكاميرات في سقف مكتبه دون علمه. أخذ رجال الشرطة الكاميرات يوم اعتقال بوعشرين، ولم يتمكن من رؤيتهم يقومون بذلك لأنه كان محتجزا في غرفة أخرى من مكتبه حينها.
حملات المضايقة في الإعلام الموالي لـ”المخزن”
رغم أن الأشخاص الذين فحص هذا التقرير قضاياهم لم ينته بهم الأمر جميعا في المحكمة أو السجن، كان يجمعهم قاسم مشترك: تعرض الأفراد المستهدفين، حتى قبل استدعائهم إلى مركز شرطة، إلى حملات تشهير واسعة النطاق في مجموعة معينة من المواقع الإلكترونية.
في 2020، وقّع 110 صحفيين مغاربة بيانا ” ضد صحافة التشهير” قالوا فيه: “كلما قامت السلطات بمتابعة أحد الأصوات المنتقدة، تتسابق بعض المواقع والجرائد لكتابة مقالات تشهيرية تفتقد للغة أخلاقيات المهنة وتسقط، كذلك، في خرق القوانين المنظمة لمهنة الصحافة في المغرب”.وصفت مقالات استقصائية متعددة المواقع المعنية بأنها “قريبة من القصر الملكي” أو أن لها علاقات وثيقة بالشرطة وأجهزة المخابرات المغربية. يناقش القسم الأخير من هذا التقرير، بعنوان “دراسات حالة: المؤسسات الإعلامية”، هذه الادعاءات بالتفصيل، مع التركيز على ثلاثة مواقع: “شوف تيفي”، و”برلمان”، و”Le360”.
نفى وديع المودن، مدير نشر Le360، في رسالة إلكترونية بتاريخ 14 أبريل/نيسان 2022 ردا على رسالة من هيومن رايتس ووتش، نفيا قاطعا أن يكون موقعه جزءا مما يسميه البيان “صحافة التشهير”. حتى منتصف يوليو/تموز 2022، لم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد على رسائل مماثلة أرسلتها إلى شوف تيفي وبرلمان في 1 أبريل/نيسان ثم في 9 مايو/أيار. في 10 مايو/أيار 2022، بحثت هيومن رايتس ووتش عن عبارة “صحافة التشهير” على موقعي شوف تيفي وبرلمان. لم يسفر هذا البحث عن أي نتيجة تشير إلى رد واضح أو موقف من شوف تي في بخصوص البيان. لكن اتهمت مقالة نُشرت تحت اسم مستعار على موقع برلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 صحفية وناشطة حقوقية مغربية مقيمة في الولايات المتحدة بـ”امتهان صحافة التشهير”. وصفت مقالة أخرى وُقّعت بأحرف أولى غير معروفة على موقع برلمان في مارس/آذار 2022 مجموعة من وسائل الإعلام الفرنسية، بما فيها “لوموند” و”ميديابارت” و”راديو فرنسا الدولي” بـ “صحافة التشهير” بسبب “حملة منظمة وممنهجة قادتها ضد المغرب وضد مؤسساته الأمنية”.
سيشير التقرير فيما يلي إلى هذه المواقع، بما فيها شوف تيفي وبرلمان وLe360، على أنها وسائل إعلام أو مواقع “موالية للمخزن”.
“المخزن” مصطلح يستخدمه المغاربة والمهتمون بالشأن المغربي للإشارة إلى شبكة أصحاب السلطة المرتبطين بالملك وأعوانه من خلال الولاء والمحسوبية. “المخزن” ليس جهة رسمية، ولا توجد قائمة متفق عليها بمكوناته. من بعض النواحي، يمكن مقارنة المصطلح بعبارة “الدولة العميقة” التي تُطلق على بعض قطاعات السلطات الحاكمة في بلدان أخرى. مصطلح المخزن يشير إلى أولئك الذين يصنعون القرار في الخفاء في المغرب، ويضطلع فيه أجهزة الأمن والاستخبارات بدور رئيسي. في المغرب، يُفهم مصطلح “المخزن” أيضا على أنه يشير إلى الأجهزة الأمنية وعناصرها عموما.
تتخصص وسائل الإعلام الموالية للمخزن في إنتاج سيل من المقالات حول منتقدي المخزن، وغالبا ما تتضمن إهانات بذيئة ومعلومات شخصية بما في ذلك السجلات المصرفية وسجلات الممتلكات، ولقطات من محادثات إلكترونية خاصة، ومزاعم عن علاقات جنسية أو تهديدات بكشفها، إضافة إلى تفاصيل حميمية تتعلق بأهل المستهدفين وأقاربهم ومن يدعمهم.
مثلا، بعد أن نشرت امرأة بيانا على فيسبوك تدعم فيه الصحفي السجين سليمان الريسوني، نشر شوف تيفي إسمَي والديها وتوجهاتهما السياسية، ومعلومات عن الأشخاص الذين صادقتهم، وأماكن لقائها بهم، وذلك على الأرجح كوسيلة لتخويفها بإظهار معرفتهم بمعلومات شخصية عنها، رغم أنها لم تكن شخصية عامة. نشر الموقع نفسه هوية رفيقة سكن عمر الراضي وألمح إلى أنه ورطها في أنشطة غير شريفة.
بعد اعتقال الراضي، أدرج نفس الموقع أسماء عدة أفراد قدمهم على أنهم “لجنة دعم الراضي”، مرفقة بشتائم وادعاءات فاضحة في حق كل منهم. في الواقع، كانت “لجنة الدعم”، التي لم تطلق على نفسها أبدا هذا الاسم، مجموعة غير رسمية تتبادل المعلومات بشأن قضية الراضي وتناقش استراتيجيات لدعمه في غرفة دردشة خاصة على تطبيق المراسلة المشفر “سيغنال”.
يمكن الدفاع عن عمل وسائل الإعلام تلك الباحثة عن الإثارة وترويجها الشرس للفضائح باعتباره حق تعبير محمي في بلد يزدهر فيه طيف واسع من الأصوات الإعلامية. لكن في منظومة المغرب الإعلامية التي تخضع لقيود شديدة، لا يجرؤ أي منبر إعلامي على الكلام بهذه الطريقة عن ذوي السلطة الحقيقيين في المخزن. لا يُستهدف بهذه الطريقة إلا المعارضون ومن يدور في فلكهم.
قال العديد من منتقدي السلطات المغاربة لـ هيومن رايتس ووتش إنه حتى بدون تهديدات قانونية ضدهم، فإن احتمال استهدافهم من قبل المواقع الموالية للمخزن يمنعهم من التحدث علنا. قال أحدهم، طالبا عدم الكشف عن هويته: “عندما ترى اسمك ومعلوماتك الخاصة مكشوفة هناك، تفكر مليا قبل الإدلاء بمواقف علنية”.
قال الصحفي هشام المنصوري، الذي حصل على حق اللجوء في فرنسا بعد أن أمضى عشرة أشهر في السجن في المغرب بتهمة الزنا، لصحيفة فرنسية عام 2020: “هناك جو أشبه بمحاكم التفتيش. يعرفون كل عيوبنا وكل نقاط ضعفنا. يعرفوننا أكثر مما نعرف أنفسنا. غايتهم أن يعتبر كلّ مِنا نفسه هدفا محتملا. العلاقات الجنسية، المخدرات، الكحول… وإذا لم يجدوا شيئا، سيلفّقون لك التهم”.
المراقبة: من المقالات التشهيرية إلى قاعات المحاكم
قال العديد من الأشخاص المستهدفين لـ هيومن رايتس ووتش إنه رغم كون معظم المعلومات المنشورة عنهم في وسائل الإعلام الموالية للمخزن خاطئة أو محرّفة، فإن بعضها صحيح، ومفصل بقدر يوحي بأن الطريقة الوحيدة للتوصل إلى تلك المعلومات كانت مراقبتهم، بما في ذلك مراقبة اتصالاتهم الإلكترونية.
مثلا، قبل شهر واحد من قيام مجهول بإرسال مقاطع فيديو مصوّرة بكاميرا خفية لعبد المومني وهو في وضعية حميمية مع شريكته إلى أقاربهما وأصدقائهما، نشر موقع برلمان مقطع فيديو ينتقد فيه، بدون ذكر أسماء، مناضلا حقوقيا “أصبح شيخا” لأنه “يتمحكك” (عبارة دارجة مغربية تعني في هذا السياق “يحتك بدافع جنسي”) مع “بنات صغيرات هو في عمر جدهم”. عبد المومني، الذي ندد نفس الفيديو بـ”سلوكاته المراهقة النتنة”، هذه المرة بذكر اسمه، كان آنذاك عمره 62 عاما. شريكته آنذاك، التي أصبحت بعدها زوجته، امرأة في الثلاثينيات من عمرها.
قبل محاكمة عمر الراضي بتهمة “تبادل المعلومات مع جهات أجنبية”، نُشرت مقالتان على شوف تيفي تتهمانه بـ “التجسس”. تضمنت المقالتان معلومات محددة قال الراضي لهيومن رايتس ووتش إنه لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مراقبة بريده الإلكتروني ومحادثاته على واتساب. رغم أن المعلومات المعنية كانت غير مؤذية، فقد تم تأويلها لاحقا في المحكمة على أنها أدلة تدينه.
كمثال على الصلات بين وسائل الإعلام الموالية للمخزن والشرطة، تنبأت وسائل الإعلام تلك بدقة بتاريخ اعتقال شخص كان لا يزال طليقا وقت نشر المقالة. أعلن شوف تيفي يوم 24 يوليو/تموز 2020 أن عمر الراضي سيكون وراء القضبان بحلول 29 يوليو/تموز، وهو التاريخ الذي اعتقلته فيه الشرطة بالفعل. حُذِفت المقالة فيما بعد، لكنها لا تزال متاحة في الأرشيفات الشبكية.
في قضية أخرى، نشر شوف تيفي يوم 17 مايو/أيار 2020 مقالة (حُذفت أيضا لكن يمكن كذلك العثور عليها في الأرشيفات الشبكية) بعنوان: “سليمان سليمينة الريسوني… البوح ما قبل الأخير ما قبل التدمير”. قال كاتب المقالة مخاطبا الصحفي الريسوني: “ستفتح عليك باب جهنم […] سنحتفل بعيد الفطر جميعا […] في يوم سوف يكون تاريخيا ولن تعيشه إلا مرة واحدة في حياتك.” اعتُقل الريسوني مساء يوم 22 مايو/أيار، أي قبل يوم من عيد الفطر. كان شوف تيفي، الذي يبدو أنه أُخبِر بيوم عملية الاعتقال ووقتها ومكانها، حاضر لتصويرها.
المراقبة الجسدية والتخويف والاعتداء
قال العديد من المعارضين المغاربة الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير لـ هيومن رايتس ووتش بأنهم تعرضوا للتعقب، إما سيرا على الأقدام أو من قبل رجال مجهولين في سيارات مدنية، في أوقات مختلفة ولفترات طويلة.
قال المعطي منجب إن المراقبة الجسدية كانت جزءا من حياته لسنوات. قال إن سيارات مختلفة كانت تتعقبه أينما ذهب لأسابيع أو شهور متتالية، في الرباط وخارجها، أو كانت تتوقف خارج منزله على مدار الساعة.
تم تعقب باحثي هيومن رايتس ووتش بشكل متقطع من قبل مجهولين في سيارات مدنية في أوقات مختلفة في السنوات الماضية. في 2019، قال حارس مبنى بالدار البيضاء لموظف هيومن رايتس ووتش الذي كان يعيش في المبنى آنذاك إن شرطيَين جاءا لطرح أسئلة عنه وعن أسرته.
كتب عبد اللطيف الحماموشي، المقرب من منجب والعضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، منظمة حقوقية مغربية بارزة، على فيسبوك في 26 أبريل/نيسان 2021:
لما يزيد عن ثلاثة أشهر، كانت سيارة على متنها راكبان أو ثلاثة تتوقف بالقرب من منزلي في تمارة [قرب الرباط]. هذه السيارة تتبعني أينما ذهبت […] حتى عندما أكون في مدينة أخرى. والغريب أن نفس السيارة، بنفس السائق، كانت تتعقب الأستاذ المعطي منجب أو تقف أمام منزله إلى أن قُبض عليه. يبدو أن السيارة نفسها كُلّفت بمراقبتي حتى اليوم.
في 16 يوليو/تموز 2014، تعرض زميل منجب، هشام المنصوري، صحفي ومدافع عن حرية التعبير، للاعتداء في أحد شوارع الرباط. في حوالي الساعة 9:30 مساء، بعد وقت قصير من مغادرته لقاء مع منجب، خرج رجلان مجهولان من سيارة بنوافذ معتمة واعتديا على المنصوري بعنف، حتى بعد سقوطه على الأرض، ثم استقلا سيارتهما وفرا.
نُقل المنصوري إلى قسم الطوارئ في المستشفى بإصابات متعددة في وجهه ومناطق أخرى من جسده. تقدم المنصوري بشكاية قالت الشرطة إنها أجرت إثرها تحقيقا، لكنها أغلقته في النهاية لعدم كفاية الأدلة.
قال الصحفي عمر الراضي لهيومن رايتس ووتش إنه كان يقود سيارته في 7 يوليو/تموز 2019 في حوالي منتصف الليل في عين السبع، إحدى ضواحي الدار البيضاء، وإذ بعشرة رجال تقريبا يخرجون من زاوية مظلمة ويحطمون سيارته بالعصي والحجارة والطوب. كسر المهاجمون زجاج نافذة الراكب الأمامي قبل أن يتمكن الراضي أخيرا من الفرار. اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور تُظهر الأضرار الجسيمة التي لحقت بالسيارة.
في صباح اليوم التالي، توجه الراضي إلى مركز للشرطة بالقرب من مكان الحادث وقدم شكاية. وعد شرطي بإجراء تحقيق، وزود الراضي بتوصيل يحمل ختم الشرطة ورقم الملف، وطلب منه استخدام الرقم لمتابعة وضع شكايته في محكمة عين السبع. بعد أشهر، ذهب محامي الراضي إلى المحكمة للتحقق من وضع الملف. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الرقم التسلسلي المذكور في التوصيل غير صحيح ولا يتعلق بأي ملف قضائي قائم.
في أغسطس/آب 2019، بعدما ألقت الشرطة القبض على الصحفية هاجر الريسوني خارج عيادة طبيبها النسائي للاشتباه في خضوعها لإجهاض غير شرعي، قال وكيل الملك في بيان إن اعتقال الريسوني جاء نتيجة لمراقبة الشرطة المستمرة للعيادة، في إطار تحقيق مبرر قانونيا في أنشطة غير شرعية مشتبه بها.
لكن الريسوني قالت لهيومن رايتس ووتش إنه أثناء جلسة استنطاق في مركز للشرطة في وقت لاحق من نفس اليوم، قدم لها رجال الشرطة تفاصيل عن علاقتها بخطيبها في ذلك الوقت. كانت التفاصيل محددة مثل التواريخ والساعات التي جاءت فيها الريسوني إلى شقة خطيبها لأخذ كلبه في جولة، بالإضافة إلى اسم الكلب. قالت الريسوني لهيومن رايتس ووتش إن مثل هذه المعلومات لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مراقبتها وخطيبها جسديا أو إلكترونيا.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، تلقت شقيقة الحقوقي فؤاد عبد المومني اتصالا من شخص قدم نفسه على أنه رجل شرطة، يبلغها كذبا أن عبد المومني “وامرأة قبض عليها بمعيّته” قد سُجنا. قال عبد المومني لـ هيومن رايتس ووتش إنه فهم أنها محاولة لترهيبه من خلال أسرته.
وهيبة خرشش شرطية تعرضت لمضايقات لأشهر من قبل عناصر أمن مفترضين بعد أن تقدمت باتهامات بالتحرش الجنسي ضد رئيسها. في فبراير/شباط 2019، اقترب منها مجهولان في أحد شوارع الدار البيضاء وقالا لها: “ابنتك [ذكروا اسم الطفلة التي كان عمرها 6 سنوات] ماتت رحمها الله. لن تريها مرة أخرى”، ثم ذهبا. اتصلت خرشش على الفور بوالدتها، التي كانت الطفلة تقيم معها، للاطمئنان عليهما. كانتا بخير.
في يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2014، قال المعطي منجب لهيومن رايتس ووتش إن مجهولين كانوا يسيرون خلفه في شوارع الرباط هددوه بالأذى الجسدي إذا لم يصمت عن انتقاده للدولة، قبل أن يبتعدوا بسرعة. في المرة الثانية قال له أحدهم: “إذا لم تصمت، ستتكفل داعش بأمرك”.
استهداف الأقارب
قالت هاجر الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة عندما استجوبتها في أغسطس/آب 2019، لم تكن معظم الأسئلة التي طرحها عليها عناصر الشرطة تتعلق بالجرائم التي يُشتبه أنها ارتكبتها، وهي ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والإجهاض، بل تعلقت بعمّيها، عالم الدين أحمد الريسوني والصحفي سليمان الريسوني، وكلاهما يعتبران من المنتقدين البارزين للنظام المغربي.
قالت هاجر الريسوني لـ هيومن رايتس ووتش إنها تعتقد أن استهدافها لم تكن ردا على أي سلوك صدر منها، بل كان وسيلة استخدمتها السلطات للنيل من أسرتها. حُكم على الريسوني لاحقا بالسجن لمدة عام بتهمة ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج والإجهاض غير القانوني، وهو ما نفته. بعد خمسة وأربعين يوما من احتجاجات المنظمات الحقوقية المغربية والمجتمع الدولي، أصدر الملك محمد السادس عفوا لصالحها.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أذاع شوف تيفي اسم شريكة فؤاد عبد المومني، بعد تصويرهما سرا في وضعية حميمية في منزله. وصمها الموقع لممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وذكر بعض أقاربها، بأسمائهم أيضا، لإحراجهم على ما يبدو. كما زعم شوف تيفي في فبراير/شباط 2021 أن والدة صحفي معارض مقيم في فرنسا كانت ضحية ابتزاز بواسطة شريط جنسي من قبل “عشاقها”. ذُكرت أسماء الصحفي ووالدته في المقالة. زعم الموقع نفسه في يونيو/حزيران 2020، وفي مناسبات أخرى بعدها، أن أحد المدافعين الحقوقيين أنجب “طفلا غير شرعي” (أي خارج إطار الزواج، وهو ما يعتبر جريمة بموجب القانون المغربي) مع ناشطة حقوقية زميلة له. نشر الموقع الأسماء الكاملة للرجل والمرأة والطفل.
في يوليو/تموز 2020، توجه طاقم تصوير شوف تيفي إلى منطقة قروية في المغرب لإجراء مقابلة مع مزارع هو أب لصحفية تنتقد الدولة. سأل الصحفي الرجل عما سيفعله إذا علم أن ابنته مارست الجنس خارج إطار الزواج. قال الرجل إن ذلك سيكون “مصيبة” وأنها “لن تكون [ابنته] بعد ذلك وأنه سيشطبها من الحالة المدنية [دفتر العائلة]”. بعد أيام قليلة، نشر شوف تيفي مقالة ذُكرت فيها الصحفية بالاسم وذكرت أنها مارست الجنس مع ناشط حقوقي حتى هو مذكور بالاسم، وأشارت نفس المقالة إلى تصريحات والدها السابقة. نشر شوف تيفي وغيره من وسائل الإعلام الموالية للمخزن، قبل ذلك وبعده، العديد من المقالات التي تهاجم الحياة الخاصة لهذه الصحفية. قالت لهيومن رايتس ووتش إنها تعيش الآن في فرنسا ولم تزر المغرب منذ 2018 لأنها “تخشى العودة بعد حملة الإعدام المعنوي هذه”.
لتجنب المزيد من الوصم ضد الأشخاص المذكورين في الفقرتين أعلاه، حجبت هيومن رايتس ووتش أسماءهم وامتنعت عن عرض روابط للمقالات ومقاطع الفيديو المعنية.
في 2010، قُبض على المقاولَين ناصر زيان ونبيل النويضي، وهما ابنا محاميين معروفين ينتقدان السلطات، وحوكِما بتهم مختلفة، منها “تزوير علامة تجارية”. احتُجز الرجلان على ذمة المحاكمة دون مبرر مدقق لمدة ستة أشهر، ثم أُدينا بتلك الجريمة وحُكم على زيان بالسجن ثلاث سنوات وعلى النويضي بالسجن عشرة أشهر.
ناصر زيان هو نجل المحامي محمد زيان، الذي دافع عن معارضين بارزين بمن فيهم زعيم “حراك الريف” ناصر الزفزافي والصحفي توفيق بوعشرين (حكم عليهما بالسجن 20 و15 عاما على التوالي) وتعرض لمضايقات السلطات لسنوات. نبيل النويضي هو ابن عبد العزيز النويضي، محامي حقوق الإنسان المغربي البارز الذي دافع عن العديد من منتقدي الدولة، والذي عمل أيضا كعضو في اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.
قال المحاميان النويضي وزيان في مقابلات منفصلة أجرياها مع هيومن رايتس ووتش إنهما يشتبهان في أن اعتقال ومحاكمة ابنيهما كان انتقاما من مواقفهما السياسية، وللضغط عليهما بشكل غير مباشر لوقف أو إسكات معارضتهما للنظام الحاكم.
استهداف الموارد المالية
في مارس/آذار 2020، أمرت الحكومة المغربية الصحف بالتوقف عن طباعة النسخ الورقية وتوزيعها كوسيلة للحد من التفاعلات الاجتماعية ومكافحة جائحة كوفيد-19، وأنشأت صندوق تعويضات لدفع رواتب الصحفيين. استفاد المئات من الصحفيين في المغرب، بمن فيهم الصحفيون في جريدة أخبار اليوم اليومية الناقدة، من هذه الآلية حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020. ثم توقف صرف مدفوعات الرواتب من الصندوق لـ أخبار اليوم وحدها دون غيرها. لم تشرح الحكومة قط هذا التمييز ولم تعد لصرف الرواتب.
كان ذلك، مقترنا مع مقاطعة أصحاب الإعلانات للصحيفة بتوجيهات من الدولة، الضربة القاضية المالية، خاصة بعد حملة مضايقة استمرت عقدا من الزمن ضد الصحيفة، بما في ذلك سجن ناشرها توفيق بوعشرين واحتجاز رئيس تحريرها سليمان الريسوني.أعلنت أخبار اليوم توقفها عن الصدور في 14 مارس/آذار 2021.
في 2018، منحت وزارة الفلاحة المدافع الحقوقي فؤاد عبد المومني منحة استثمارية بحوالي 30 ألف دولار أمريكي لتطوير أنشطة زراعية وتربية المواشي في مزرعة يملكها بالقرب من الرباط. بعد حوالي عامين، لم تكن الأموال أودعت في حساب عبد المومني المصرفي. تابع الملف عدة مرات، كتابيا ومن خلال 13 زيارة شخصية للوزارة، لكن لم يردّ أحد على رسائله أو يستقبله أو يخبره عن وضع المنحة التي حصل عليها. قال عبد المومني لهيومن رايتس ووتش إنه لم يتلق المال بعد في أبريل/نيسان 2022.
خاتمة
كما نوقش أعلاه، تتضمن “قواعد اللعبة” التي تلعبها السلطات المغربية لإسكات منتقدي الدولة تكتيكات متعددة ومتنوعة وشرسة.
بعض هذه التكتيكات، مثل المراقبة السرية بالفيديو في منازل الأشخاص، والاعتداءات الجسدية على الأشخاص المستهدفين، وأعمال الترهيب ضدهم أو ضد أقاربهم، يصعب ربط مقترفيها بالدولة.
قد تكون التكتيكات الأخرى، بما في ذلك إطلاق حملات تشهير ضد المعارضين في المواقع الموالية للمخزن، لاأخلاقية أو بغيضة لكنها ليست بالضرورة غير قانونية بموجب القانون المغربي. من الصعب أيضا إثبات أن للدولة دور مباشر في هذه الحملات. مع ذلك، بناء على ما تنشره هذه المواقع، يبدو أنها متوافقة تماما، بل وتعمل أحيانا جنبا إلى جنب مع المؤسسة الأمنية المغربية. هذا الاستنتاج يؤكده أيضا ما لا تنشره: هذه المواقع لا تُشهّر أبدا بمسؤولي المخزن الأقوياء، ولا تحاول اغتيالهم معنويا.
أما بالنسبة للقضايا التي تصل إلى قاعات المحاكم وتؤدي بالمستهدفين إلى السجن، يستند بعضها إلى تهم جنائية خطيرة تستدعي العقوبة عندما يتم إثبات الجرم بشكل كاف في محاكمة عادلة. مع ذلك، وكما يوثق هذا التقرير، تلك المحاكمات معيبة، من اعتقال المشتبه بهم إلى الأحكام الصادرة ضدهم، وتشوبها انتهاكات متعددة للإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة. هناك قضايا أخرى تكون فيها التّهم في حد ذاتها انتهاكات لحقوق الإنسان ولا ينبغي أبدا توجيهها بغض النظر عن وقائع القضية.
هذه التكتيكات المذكورة تكمل بعضها البعض فيما يمكن وصفه بالبيئة القمعية، ولا تهدف فقط إلى تكميم أفواه الأفراد أو المؤسسات الإعلامية التي تعتبرها السلطات مزعجة، لكن أيضا إلى ردع جميع منتقدي الدولة المحتملين وثنيهم عن رفع أصواتهم.
“قواعد اللعبة” المغربية ليست مجرد قائمة من التكتيكات؛ بل هي منهجية شاملة لإسكات المعارضة.